الحدود الشرعية في قانون العقوبات المصري يعتبر القصاص نوع ا من إجراء التقابل العادل بني الجرمية والعقوبة على نحو ما هو مقر ر وفي هذا التقابل ردع وزجر عن اقتراف آحاد الناس لمثل هذ الجرمية والاستمرارية في اقتراف إثم التعدي على النفس المصونة وقد أوضح المولى -تبارك وتعالى- الحكمة: ) ( (البقرة:.(١٧٩ والمراد أن شرع القصاص ي فضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلا وفي حق من ي راد جعله مقتولا وفي حق غريهام أيض ا أما في حق من يريد أن يكون قاتلا فلا نه إذا علم أنه لو ق ت ل عاد عليه الاعتداء بالقتل ت ر ك الاعتداء خوف ا من مصري القتل وحب ا أ.د شوقي علام ) ) في الحياة فيبقى حي ا وأما في حق من يراد جعله مقتولا فلا ن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول وأما في حق غيرهما فلا ن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل والاعتداء على نفس غيره أو من ي راد الاعتداء عليه وفي بقاي هما بقاء من يتعصب لهما لا ن الفتنة تعظم بسبب القتل فتو دي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عام من الناس وفي تصور كون القصاص مشروع ا زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل (١). مفهوم القص اص : غلب استعمال القصاص في قتل القاتل وجرح الجارح وقطع القاطع إلا أن الدلالة اللغوية لكلمة القصاص أعم فا صل جذرها قصصته قص ا - من باب قتل - قطعته وق ص ص ت الخبر قص ا - من باب قتل أيض ا - ح دثت به على وجهه والاسم: القصص بفتحتين وقصصت الا ثر تتبعته وقاصصته مقاصة وقصاص ا من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك فجعلت الدين في مقابلة الدين ما خوذ من اقتصاص الا ثر (٢). والقصاص بالمفهوم الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي وهو التقابل والتعادل في الا جراء الوقوعي بفعل نفس الا مر بمن ف ع ل. فعر فه الجرجاني با نه: أن ي فع ل بالفاعل مثل ما ( ) مفتي الديار المصرية. (١) تفسير الرازي (٥/ ٢٢٩) ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت. (٢) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي (٢/ ٥٠٥) ط. المكتبة العلمية- بيروت. ١٦٢٩
ف ع ل (٣). والمقصود أن يعاقب المجرم بمثل فعله في قتل كما قتل وي جرح كما جرح. وقد أجمع المسلمون على وجوب القصاص في الا نفس المعصومة صيانة للمقصد الا عظم من مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس قال ابن قدامة:«لا نعلم بينهم في وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان إذا اجتمعت شروطه خلاف ا وقد دلت عليه الا يات والا خبار بعمومها قال تعالى: _ ^ ] \ [ Z Y) (hg f e d c b a` (البقرة: ١٧٨ )».اه ولقول النبي ﷺ: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا با حدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» (رواه البخاري ومسلم). وجاء قانون العقوبات المصري وهو القانون رقم ٥٨ الصادر سنة ١٩٣٧ م مع تعديلاته سنة ٢٠٠٣ م وأكد على هذه العقوبة فجاء في المادة ٢٣٠ منه: «كل من قتل نفس ا عمد ا مع سبق الا صرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالا عدام». وجاء في المادة ٢٣٣ منه: «من قتل أحد ا عمد ا بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلا أو آجلا يعد قاتلا بالسم أي ا كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالا عدام». وقد بينت نصوص القانون مفهوم الا صرار والترصد بما يتماشى مع قواعد القصد الجناي ي عند فقهاء الا سلام. ومن الجدير بالا همية الا شارة أنه قد نص المشر ع في القواعد العمومية المقررة للمبادئ العامة للتشريع الجناي ي في المادة السابعة من قانون العقوبات المصري في الباب الا ول منه على أن ه: (لا تخل أحكام هذا القانون في أي حال من الا حوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء). ففي ذلك النص الواضح إعلاء من سيادة الشريعة الا سلامية في أكثر أبواب هذا القانون. وقد اطرد في بعض المذاهب أن ي فعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه صوري ا فمن قتل بالسيف اقتص منه بالسيف ومن ر م ى غيره من شاهق ر مي من شاهق أيض ا وهذا مما لا ي قام الدليل على فرضي ته فيمكن تجاوزه إلى غيره خاصة وأن النبي ﷺ نهى عن الم ثلة فالمراد إتلاف النفس الجانية با يسر الوجوه. وما تقرر في الا يات الواردة في إيقاع العقوبة بالجاني مثل قول االله تعالى: (^ _ (gf e d c b a ` (البقرة: ١٩٤) وقوله تعالى: (² (º¹ μ ³ (النحل: ١٢٦) ليس المراد منه المثلية الوصفية إنما المراد أن ي منع من ي وقع العقوبة أن يجرح أكثر من جراحته أو أن يفعل أكثر مما فعل فالمراد مثلية الفعل لا الزيادة عليها. وقد تقرر في بعض المذاهب أن الق و د لا يكون إلا بالسيف على ما ر وي في بعض الا حاديث والا ثار في ذلك وهذه أمور إجراي ية متروكة للسلطة التنفيذية في تقديرها على ما هو متاح في كل (٣) التعريفات (ص: ١٧٦) ط. دار الكتب العلمية. ١٦٣٠ شعبان ١٤٣٨ ه - مايو ٢٠١٧ م
تطبيق الشريعة ا سلامية فى مصر عصر فا ن الشنق إعدام ا إن تقرر ارتضاؤه أسلوب ا عقابي ا في إيقاع القصاص بالجاني فلا مشاحة في ذلك. وقد اتفق الفقه الا سلامي والقانون المعمول به الا ن على أن إيقاع القصاص من حق ولي الدم والسلطة التنفيذية هي وكيل الولي في الا يقاع إذ هي المخو ل إليها ضبط حركة المجتمع بما يفي بغرض حفظ حياة الناس والحد من الاعتداء على حقوقهم وقد ق ر ر ذلك في الفقه الا سلامي تقرير ا واضح ا ففي تفسير آية القصاص يقول الا مام القرطبي: «اتفق أي مة الفتوى على أنه لا يجوز لا حد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك ولهذا جعل االله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض» (٤). عقوبة الا رهاب تا س يس ا على مفهوم الهرابة والبغي في الفقه الا س لامي: ظل ت العقوبات المقر رة لمن يفعل فعلا إرهابي ا تتساوى مع الفعل الا جرامي تشريع ا وقضاء فلم يكن لمن اقترف فعلا إرهابي ا عقوبة خاص ة إنما يسري عليها ما يسري على الجريمة العادي ة إلا أن المشر ع وجد الحاجة ماس ة إلى سن قوانين لجراي م خاص ة وهي (جراي م العنف) أو ما يعرف ب(جراي م الا رهاب). وقد نص ت المادة ٨٦ من الباب الثاني «الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل» في المقصود بالا رهاب: «يقصد بالا رهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجا إليه الجاني تنفيذ ا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الخلل بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شا ن ذلك إيذاء الا شخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيي ة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالا موال أو بالمباني أو بالا ملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لا عمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللواي ح»اه. والا طار التشريعي لقانون الا رهاب كما ي فهم من معناه يتوافق ومفهوم الحرابة الذي نص عليه الفقه الا سلامي بجامع التخويف والعنف والاعتداء دون وجه حق في كليهما. وفي شرح حديث أبي هريرة -رضي االله عنه- أن رسول االله ﷺ قال: «ومن خرج من أمتي على أمتي ي ض رب برها وفاجرها لا يتحاشى من مو منها ولا يفي بذي عهدها فليس مني» (رواه مسلم في صحيحه). يقول أبو محمد بن حزم: «فقد عم رسول االله ﷺ كما تسمع (الضرب) ولم يقل بسلاح ولا غيره. فصح أن كل حرابة بسلاح أو بلا سلاح فسواء قال: فوجب بما ذكرنا أن المحارب: هو المكابر المخيف لا هل الطريق المفسد في سبيل الا رض [أي طريقها] سواء بسلاح أو بلا سلاح أصلا سواء ليلا أو نهار ا في م ص ر أو (٤) ينظر: تفسير القرطبي (٢/ ٢٥٦) ط. دار الكتب المصرية. ١٦٣١
في فلاة... منقطعين في الصحراء أو أهل قرية سكان ا في دورهم أو أهل حصن كذلك أو أهل مدينة عظيمة أو غير عظيمة كذلك واحد ا كان أو أكثر كل من حارب المار وأخاف السبيل بقتل نفس أو أخذ مال أو لجراحة أو لانتهاك ف ر ج فهو محارب عليه وعليهم كثروا أو قل وا حكم المحاربين المنصوص في الا ية لا ن االله تعالى- لم يخص شيي ا من هذه الوجوه إذ عهد إلينا بحكم المحاربين è) (ë ê é (مريم: ٦٤ )»اه (٥). جريمة الاغتص اب وحد الهرابة: معنى الاغتصاب هو الاتصال المباشر الواقع على الا نثى من جهة الرجل واحد ا كان أو جمع ا دون رضاها بكر ا كانت أو ثي ب ا. وهو من الجراي م التي يقرر القانون العقاب عليها فينص قانون العقوبات المصري في الباب الرابع تحت عنوان: «هتك العرض وإفساد الا خلاق» في المادة ٢٦٧ (من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالسجن المشدد فا ذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادم ا بالا جرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المو بد)اه. إلا أن المشرع قد ترك للقاضي في بعض الجراي م الحرية في تقدير بشاعة الجرم مما قد يسمح با يقاع عقوبة الا عدام عليه وقد قضت محكمة جنايات بورسعيد في القضية رقم ٦٥٢٥ لسنة ٢٠١٣ م جنايات الزهور والمقيدة برقم ١٦٩٢ لسنة ٢٠١٣ م بالحكم بالا عدام على أب اغتصب بناته الثلاثة الق صر فحكمت المحكمة بالا جماع با حالة أوراقه إلى فضيلة المفتي وقد أيد مفتي الجمهورية الحكم. عقوبة الس رقة والزنا بين الش ريعة والقانون: المبدأ العام الحاكم في تصانيف الفقهاء ومدار كلامهم في الحدود القاعدة الا م (ادرءوا الحدود بالشبهات) وهو أصل حديث نبوي سار قاعدة عليها العمل خاصة وأن الرسول ﷺ قد طب ق فحوى هذه القاعدة تطبيق ا تا سيسي ا لما يمكن أن يت خذه الق ضاة فيما بعد في طريقة إثبات الحد والقراي ن المحيطة بالفاعل ونفس الفعل. فالشبهات جمع شبهة وهي ما يشبه الثابت وليس بثابت كما يعب ر الفقهاء على اختلاف بينهم في تقسيمات الشبهة بين (شبهة في المحل وشبهة في الفاعل وشبهة في الفعل ذاته) ولسنا بصدد التفصيل في مفهوم الشبهة وتقسيماتها فقد تعرضنا له قبلا إلا أن المفهوم الجامع في ربط التناسق الشرعي في تشريع الحد كزجر ومراعاة الدرء عن المكل ف كمقصد من مقاصد التشريع في هذا الموطن ي فهم من عد ة جهات: أو لا : مراعاة أن الشريعة جاءت بالتست ر وحث ت عليه ويقر ر الفقهاء أن من فعل ما ي وجب الحد ي جب شرع ا الستر عليه إذ ليس في النصوص (٥) ينظر: المح لى بالا ثار (١٢/ ٢٨٢) ط. دار الفكر- بيروت. ١٦٣٢ شعبان ١٤٣٨ ه - مايو ٢٠١٧ م
تطبيق الشريعة ا سلامية فى مصر الشرعية ما يدعو إلى إراقة الدماء تشف ي ا وما قص ة ماعز والغامدية من ا ببعيد (٦). ثاني ا: أن ي حتال للمقر ما أمكن لدرء الحد عنه وأن ي حمل على ذلك حملا. وفي تتبع المروي عن النبي ﷺ والصحابة ما يقطع في المسا لة فقد علمنا أنه عليه الصلاة والسلام قال لماعز: لع لك ق بلت لعلك لمست لعلك غمزت كل ذلك يلقنه أن يقول: نعم بعد إقراره بالزنا وليس لذلك فاي دة إلا كونه إذا قالها ت رك وإلا فلا فاي دة ولم يقل لمن اعترف عنده بدين لعله كان وديعة عندك فضاعت ونحوه وكذا قال للسارق الذي جيء به إليه «أسرقت ما إخاله سرق» وللغامدية نحو ذلك وكذا قال علي -رضي االله عنه- لش ر اح ة... لعله وقع عليك وأنت ناي مة لعله استكرهك لعل مولاك زو جك منه وأنت تكتمينه. فالحاصل من هذا كله كون الحد ي حتال في دري ه بلا شك ومعلوم أن هذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كلها كانت بعد الثبوت لا نه كان بعد صريح الا قرار وبه الثبوت وهذا هو الحاصل من هذه الا ثار ومن قوله (ادرءوا الحدود بالشبهات) فكان هذا المعنى مقطوع ا بثبوته من جهة الشرع (٧). والمتتب ع لما ذكره الفقهاء في كتبهم من أمثلة للشبهات التي يمكن أن تكون داري ة للحد نجد أن هناك قاسم ا مشترك ا بينها وخاصة فيما يتعل ق بشبهة المحل وهي المعروفة ب(الشبهة الحكمية) أي في ثبوتها من جهة شبهة حكم الشرع بحل المحل فقد يكون المحل الواقع عليه الحكم حرام ا أو يجب به على الفاعل حد ا فينتقل الحكم إلى الشبهة لا نفس حكم الشرع فيفهم من ذلك أن المحل ي راعى فيه المتغي رات الا ربعة التي ت راعى في تنزيل الحكم على المعي ن أو الواقعة وهي (الزمان والمكان الا حوال والا شخاص) فكل له اعتباره في ذلك فالزمان قد يصير بذاته شبهة والمكان كذلك.. وهكذا فيصير الحكم المتعل ق بتنزيل الحد على من تلب س بالفعل إلى شبهة أقوى دافعة للحد عنه كما المحل سواء بسواء. فيصير الزمان (زمان شبهة) وزمان الشبهة لا ي قام فيه الحد على المقترف للج رم وليس هذا إسقاط ا لا حقي ة الحد ولكن إيقاف مو قت لشبهة في الزمان طاري ة على المحل تدرأ الحد. من له حق ا يقاف تطبيق الهد وحاصل الجواب في ذلك أن استناد من يقرر طرح مثل ذلك الاستشكال هو فعل أمير المو منين عمر بن الخطاب -رضي االله عنه- في عام الرمادة من إيقاف الحد لا ن الزمان زمان شبهة في جوع وإعواز وقل ة في ذات اليد لا يستطيع معها الا نسان أن يجد ما يا كله فضلا عن أن يتحرى أن يا كل حلالا. (٦) يروي الا مام مالك في الموطا في رواية محمد بن الحسن الشيباني (ص: ٢٤٥) أخبرنا يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول االله ﷺ قال لرجل من أسلم يدعى ه زالا : «ي ا ه زال ل و س ت ر ت ه ب ر د اي ك ل ك ان خ ي ر ا ل ك» قال يحيى: فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال فقال: هزال جدي والحديث صحيح حق. قال محمد: وبهذا كله نا خذ ولا ي حد الرجل باعترافه بالزنى حتى يقر أربع مرات في أربع مجالس مختلفة وكذلك جاءت السنة: لا يو خذ الرجل باعترافه على نفسه بالزنى حتى يقر أربع مرات وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهاي نا وإن أقر أربع مرات ثم رجع قبل رجوعه وخلي سبيله. (٧) فتح القدير للكمال ابن الهمام (٥/ ٢٤٩) ط. دار الفكر. ١٦٣٣
ففعل أمير المو منين عمر بن الخطاب باعتباره قاضي ا بيده السلطة القضاي ية وخليفة للمسلمين وأحد المجتهدين فله السلطة التشريعية فمن يحق له ذلك م ن يتحل ى بمثل ما لعمر - رضي االله عنه - فالسلطة التشريعية هي المنوط بها ذلك وقد فعلت ذلك لجان الا عمال التحضيرية المكلفة با عداد قانون العقوبات المصري سنة ١٩٣٧ م وما قبلها من اللجان الفرعية فقد رأت أن الزمان زمان شبهة يستحيل معه إثبات الحد على الوجه الا كمل فضلا عن إقامته فجاءت بعض العقوبات المق ررة لبعض الحدود على غير ما هي عليه في الفقه الا سلامي ك(عقوبة الزنى) و(عقوبة السرقة) في أن الا ولى اقتصرت في إثباتها على أن يكون محل الفعل هو فراش الزوجية وأن الزوجية قاي مة حالا حقيقة أو حكم ا وأن تسيير دعوى الزنى حال ثبوته لا تكون إلا بيد الزوج إذ جعلت ذلك حق ا خالص ا له وأما الثانية فاست بدل القطع فيها الذي هو حد بالحبس الذي هو من قبيل التعازير. وكما قلنا آنف ا: إن الزمان قد يطرأ عليه ما يطرأ على المحل بالقاسم المشترك فيكون الزمان كله زمان شبهة لا ي قام فيه الحد بهذا المعنى وكا ن هذا ما ارتا ته اللجنة المكل فة بوضع القانون في مراحله المختلفة ١٨٨٣ م ١٨٨٧ م ١٩٠٥ م ١٩٣٧ م على ما في صيغته النهاي ية اليوم. يقول المستشار علي علي منصور في كتابه (البهاي ية بين الشريعة والقانون) (ص ٨١ ): «ولكن المقطوع به أن ولي الا مر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية والجناي ية وقوانين الا جراءات لكليهما لم يقصد إلى مخالفة الشريعة الا سلامية بل إنه بعد أن أعد (نوبار باشا) ري يس الوزراء إذ ذاك تلك القوانين الوضعية بواسطة لجان كان معظمها من المشرعين الا جانب أو من الا جانب المتمصرين دفع بها ولي الا مر قبل إصداره أمره الكريم بالعمل بها إلى شيخ الا زهر وكان إذ ذاك الشيخ المنياوي وع رضت عليه الكثرة الغالبة منها ٢٢٧٧ مادة فا قر أنها لا تخالف أحكام الشريعة الا سلامية. وصحيح إلى جانب ذلك أن بعض قوانين مواد العقوبات لم ت عرض على هيي ة العلماء إذ ذاك وكل ما يترتب على ذلك من أثر أن تعطلت بعض الحدود الشرعية فلما أن جاء الدستور وأكد تلك الحقيقة الواقعة وهي سيادة الشريعة الا سلامية على القوانين الوضعية... ومن ثم يكون أي تقنين يعارض شريعة الا سلام غير دستوري».اه والحق أن القوانين الحالية في جملتها لا تخرج عن الا راء المنقولة من مذاهب المجتهدين في الفقه الا سلامي الوسيع وكون صاي غي القوانين قد استقوا في صياغاتهم من صياغات القوانين الغربية فا ن هذا لا يخرج القانون في لبه عن كونه م نضوي ا تحت رأي من الا راء الفقهية أو أن له اعتبار ا شرعي ا ما ولما رفعت قوانين المحاكم المختلطة وقوانين المحاكم الا هلية التي نفذت في سنة ١٨٧٥ م وسنة ١٨٨٣ م إلى الا زهر الشريف شكلت لجنة من علماء المذاهب الا ربعة لمراجعتها وأعدت تقرير ا جاء فيه: «إن هذه القوانين ببنودها إما أن توافق نص ا في أحد المذاهب الا ربعة أو أنها لا تعارض نص ا فيها أو أنها تعتبر من ق ب ل المصالح المرسلة التي يجوز الاجتهاد فيها رعاية لمصالح الناس» (٨). (٨) ينظر: نظم الحكم والا دارة في الشريعة الا سلامية والقوانين الوضعية ص ١٨ ١٩. (بواسطة معوقات تطبيق الشريعة للدكتور الا شقر ص ١٢٧ ). ١٦٣٤ شعبان ١٤٣٨ ه - مايو ٢٠١٧ م
تطبيق الشريعة ا سلامية فى مصر ويبقى التساؤل الا هم: ماذا لو أقر الجاني في الزنى والسرقة إقرار ا ينفي عنه الشبهة التي يدرأ بها الحد هل ي قام عليه الحد أم لا وكيف يقام عليه الحد ولا يوجد نص قانوني لا قامة ذلك عليه وإذا أصر على أن يقام عليه الحد فمن ي قيمه كل هذه تساؤلات تجعلنا نقرر أن هناك بعض النصوص في القانون تحتاج إلى تعديل تشريعي وما دامت السلطة التشريعية قاي مة ممث لة في (مجلس الشعب) فا ن ذلك يعطي مساحة للمشر ع أن يوافق النصوص الدينية الداعية لا قامة الحد كعقوبة قانونية يوقعها الحاكم أو من ينوب عنه (السلطة التنفيذية) في إقامة ذلك. يقول القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: «ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فا خذوا منهم امرأة مغال بة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها ثم جد فيهم الطلب فا خذوا وجيء بهم فسا لت من كان ابتلاني االله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين لا ن الحرابة إنما تكون في الا موال لا في الفروج. فقلت لهم: إنا الله وإنا إليه راجعون ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الا موال وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ولو كان فوق ما قال االله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج وحسبكم من بلاء صحبة الجهال وخصوص ا في الفتيا والقضاء وأما قول من قال: إنه سواء في المصر والبيداء فا نه أخذ بمطلق القرآن. وأما من فرق فا نه رأى أن الحرابة في البيداء أفحش منها في المصر لعدم الغوث في البيداء وإمكانه في المصر. والذي نختاره أن الحرابة عامة في المصر والقفر وإن كان بعضها أفحش من بعض ولكن اسم الحرابة يتناولها ومعنى الحرابة موجود فيها» (٩) اه. (٩) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٩٥) ط. العلمية. ١٦٣٥